إن السؤال عن هوية »الأنا« باعتبارنا عربا، وباعتبارنا هوية ثقافية لها امتداداتها التاريخية يأتي من طبيعة الاختلافات التي تضعنا في مواجهات عدة مع الآخر، في تعدده. فالراهن العربي يدفعنا إلى إعادة النظر في كل المفاهيم والتصورات والمسلمات التي راكمها الوعي العربي على مدى تاريخ طويل يستمد مرجعيته، على الأقل، مع القرن السابع الميلادي.. وهي مسلمات أضحت اليوم باهتة وليست لها القدرة على مواجهة العديد من المعارف..الأمر الذي يجعلنا نزداد تقوقعا وتمركزا على الذات مع نفي تام، واستبعاد، لكل ما من شأنه أن يبعث في العقل العربي سؤال المراجعة وإعادة النظر في تمثلاته .. أقصد أن الهروب إلى الذات، لمواجهة كبرىالقضايا المطروحة علىنا، قد زاد من تعميق الهوة مع ذواتنا أولا ثم مع الآخر ثانيا.. وقد ترتب عن ذلك ضياعا حضاريا يستدعي نقاشا جادا، وطرحا ينبغي أن يتسم بالجرأة والشجاعة، وتقديم القول الفلسفي والطروحات الفلسفية كمداخل لكل فعل ينخرط في الجدل حول القضايا المطروحة..
إننا لا نخوض في ميتافزيقا العقل العربي.. ولا نريد أن نخوض في قضايا مجردة.. وإنما نجد أنفسنا أمام وضع ينبغي أن نحدد خلفياته التي لا يمكن أن تكون إلا مستندة على ركائز مدعمة بنظرة فلسفية ورؤى تتعقل الفعل الحضاري، وتتعقل الذات العربية.. ثم تتعقل الآخر من حيث هو أنا ومن حيث هو جزء من أنا ومن حيث هو آخر مختلف (لامخالف)..
إن الجواب عن من نحن يعود بنا إلى قضية جوهرية، تتحدد، بالأساس، في وضع إطار نسائل من خلاله طبيعة هذه الأنا.. وليس من سبيل إلى ذلك إلى بالعودة إلى الجذور القديمة التي كانت من وراء تكوين هذا العقل، وتكوين هذه الذات، وتكوين هذه الهوية الثقافية..ومن هنا سنقترح عرض مجموعة من النصوص القديمة التي دونت قبل مجيء الإسلام، والتي دونت بعده، وهي جميعها تقدم صورة عن البنية الاجتماعية والثقافية والعقدية للإنسان العربي..
ويشفع لنا في هذه العودة، هو هذا اللبس الذي يهيمن على الإنسان العربي، الذي غابلا ما يسقطه في مفارقات تزج به في ما يشبه العنصرية وتفضيل الجنس العربي على باقي الأجناس.. إذ إن البحث في الإطار التاريخي والثقافي يساعدان على فهم الوقائع وفهم التمثلات التي تشكلت والطبقات المعرفية والسلط المعرفية والرمزية المتحكمة في هذا العقل..
إذا، سنعرض في البداية نصوصا تاريخية ، ثم سنعرض حقائق تاريخية وجغرافية، لأنها ستساعدنا على كسب أدوات ناجعة لمقاربة موضوعنا الذي يحمل عنوان »ضرورة تحجديث الوعي الديني«