ضرورة تحيين الوعي الديني

من نافلة القول أن الوعي الاجتماعي ومعه الوعي والحاجيات الثقافية تتطور. غير أن واقعنا العربي يشهد أزمة عميقة، تعبر عن العديد من الإعاقات الفكرية التي يعاني منها العقل العربي. والحال أن تاريخا حضاريا طويلا، وثريا، لانرى منه إلا جانبا أو جوانب دون أخرى. فإجمالا، تبقى الممارسات اللاعقلانية، ويبٍقى الفكر المحكوم بآليات تهديم قانون العلة والسببية، والعقلانية التي بمقدورها أن تفكك أكثر القضايا تعقيدا، هو المهيمن، بل ويتخلل جماع الممارسات العربية، لاوعيها ووعيها، إنتاجتها الثقافية والفكرية والإبداعية.
فما يستوقفنا، حقا، هو هذا الكم الهائل من المفارقات التي تسود الوعي والعقل العربيين. ثم هذه الأزمة التي لم تتحول إلى أسئلة كبرى، وقضايا وجودية وفلسفية، بمقدورها أن تدفع بالوعي العربي إلى إعادة التفكير في ذاته، وإعادة طرح قضاياه، وبالتالي تحيين وضعه الحضاري. من أين كل هذا الانهيار المأزوم، المسكون بدوائر الإحباط والدمار؟ ومن أين كل هذه الآليات التي لا تتوقف عن وأد العقل المتنور الذي ظل يشتغل طوال الحضارة العربية الإسلامية على الهامش. يشتغل على استحياء، وهو يبحث عن آدوات تقيه من سيوف العقل الخرافي الثابت الذي لايعرف إلا الحقيقة المطلقة والواحدة. هذا العقل، الذي ظل ومايزال، يشتغل بآليات سلطوية رمزية أو سياسية رسمية. وهكذا، نجد إلى يوم الناس هذا، نفس الخطاب المكرور، والمتهالك، ونفس العقل الفاشل، بنفس الشعارات، التي تجعل النصر شعارا يردد في الشوارع، وتجعل الحضارة زبدا ذاهبا، وأما ما ينفع الناس فهو في التراث العربي الإسلامي القديم.
من هنا فإننا من خلال هذه الأرضية نود أن نفتح نقاشا عالما، ومعرفيا حول قضية خطيرة في ثقافتنا العربية، وهي من نحن؟ ما معنى أن يكون العربي عربيا اليوم؟ ثم ما معنى أن تكون الحقيقة هي حقيقتنا نحن؟ وهل حقا ما يتداوله التاريخ الرسمي العربي هو التاريخ الحقيقي؟
هذه الأسئلة هي المدخل الأساسي للبحث في قضايا هيمنة نمط من الوعي الفقهي والفلسفي الذي يؤمن بالحقيقة المطلقة، وبتمركز الحقيقة في الذات العربية.
إنه سؤال الهوية بالمعنى الثقافي الفلسفي؟
قبل أن نشرع في تحليل هذا، أود أن أسوق كلمة لعلي حرب »نحن العرب أقل ومعنى وشأنا مما نعتقد؟«
فمن نحن؟
خالد سليكي