نعم ان المشاريع القومية كلها مرفوضة،وصدقاً كان الراحل الكبير يرفضها تماماً،وهو احد اسباب علاقتنا القوية ،ان كلانا كان يرفض هذه المشاريع ومصطلحاتها ،وخصوصاً ما ارتكبه ويرتكبه البدو(بدو الصحارى وبدو الجبال)في أقليم اشور وبيث عربايا.
وديع: .. المعروف ان سركون هاجر من العراق مبكرا، وقد إزداد نضوجاً وتطوراً هناك ، ولم يشر أحد على أدب الداخل وأدب الخارج حينها ، ما رأيك بهذه الثنائية التي علا دويّها من قبل اجهزة النظام السابق الاعلامية والثقافية، وما يثار اليوم أيضاً بهذا الخصوص، وهل كان لسركون رأي بها ؟
باسم: الابداع لا وطن له إلا الابداع ذاته،والراحل كان يرفض بل ويسخر من هكذا تصنيفات ساذجة وأرى ان كل مبدع يسخر من هكذا تقسيمات،وشخصيا ًتناولت الامر في حوارات سابقة معي، ولكني هنا انقل رأيه كما سمعته منه عبر الهاتف،نعم يتحدث بحسّه اللاذع بخصوص هذه الاشاعة التي أشاعها وتشبث بها من لا إبداع له،فالمبدع الحقيقي لايمكن ان يرتضيها لنفسه.
سركون ليس وحده من هاجر مبكراً،على الأقل قبل اطلاق هذه الثنائية المضحكة،بسنوات طويلة،بل اغلب جماعة كركوك ومئات الاسماء العراقية المبدعة،أثْروا ومازالوا الثقافتين العراقية والمكتوبة بالعربية،كما ان العراق يبقى الرحم ويخطأ من يتصور ان المواهب الخلاقة نفدت من العراق فالادب العراقي هو عراقي ان كان يكتب في بغداد او في سان فرانسيسكو او باريس او ولنغتن او هيروشيما أو في اي مكان آخر.
وديع : يقول سركون :" إنك شاعر مراثي من الدرجة الاولى، وانت اقرب الى شعراء سومر الاوائل .."، هل تعتقد ان كتابة المراثي هي ميزة شعرية للشاعر الحداثوي؟ ولماذا لم تكتب مرثية الى سركون لحد الان ؟
باسم: نعم أنا سليلُ الفراتين ِ،بمعنى اني سليل ووارث ميراث المنطقة،والمراثي التي اكتبها تختلف عما هو متعارف عليه في الشعر العربي،انها تجارب وتأملات ووعي شاعر يفهم ان الحداثة مشروع فردي بقدر ماهي مشروع جماعي وان الشعر وهو مشروع فردي بامتياز،غاية الغايات،والمراثي التي أشار اليها سركون بولص هي مراثٍ لوطن أراه أمامي ، وكلٌ يمسكُ بمعوله لتهديمه والقضاء عليه،لست ممن يقفون على الأطلال بل أحاول أن أكون رائياً قدر المستطاع ولن أخفي تأثري بقراءاتي للميراث العراقي القديم ابداعياً رغم سعةِ قراءاتي لتاريخ العراق الاسلامي والحديث.
ثم هل تجد أن كتابة المرثية سهلة ؟!
فأنا لست ممن يجيدون كتابة مراثي المناسبات،أولئك الذين ما ان قرأوا خبراً في وسائل الاعلام عن موت أديب ما،أو شخصية مرموقة،حتى انهالت كتاباتهم تملأ الصفحات،ولايهم ان كانوا قد اهملوا او انكروا ابداع الميت في حياته،كما حدث مع أسد آشور،وكأني بهم يحتفون بموته قائلين:"ها لقد تخلصنا منه".
انت تعرف كم استغرق هذا الحوار، وكم كان حرصنا على الاحتفاء بسركون بطريقة مختلفة ، ولأني فعلا كنت أعاني اثناء الكتابة عموما، فكيف إذا كانت عن سركون بولص،الذي تهادى الدمع وسريعاً وحاراً الى عنقي ما أن قرأت خبر رحيله المفجع،وهذا لم يحدث لي مع أي أديب اخر رغم احترامي وتقديري لأدباء رحلوا عنا،وهم في أوج عطائهم.
وديع : بحكم تواصلك مع سركون حتى اللحظات الاخيرة من رحلته الارضية ، هل كانت لديه نيّة اخراج مجموعات شعرية جديدة او اصدار اعماله الكاملة ، وهل تعتقد ان الراحل يميل الى مثل هذه التوجهات كبقية الشعراء ؟
باسم: نعم كانت لديه النية لأخراج مجموعات جديدة ومنها مجموعة تضم بداياته،حيث طالما حدثني عن الصندوق المليء بالقصائد الذي جلبه اهله معهم من العراق،وانه كان يأمل ان يختار عدداً من هذه القصائد ونشرها في كتاب مستقل لتعبر عن بداياته.
أما عن اعماله الكاملة، فكان يؤجل الموضوع رغم إلحاحِ ناشره وهو الشاعر خالد المعالي كما كان يقول،فسركون كان يأمل باصدار اكثر من مجموعة قبل اصدار الأعمال الكاملة له،ولاأدري هل كان حدس الشاعر خالد المعالي عالياً حين ألحّ على موضوعة اصدار الاعمال الكاملة.
وهنا أتمنى على ذوي الفقيد وكل اصحابه ان يسلموا أعمال سركون ابداعاً وترجمة ً،الى الناشر خالد المعالي لثقة الراحل الكبير به،فلطالما اخبرني عن صدق وامانة ونزاهة المعالي وهو جدّ مرتاح معه وغير ذلك من الاطراء والمديح بحق هذا الشاعر والناشر،والتي أدونها للتاريخ ولم اخبر بها خالداً أو غيره من قبل.
كما آمل ان يساهم اتحاد الادباء العراقيين ووزارة الثقافة وغيرها من المؤسسات العراقية،بالدعم المالي والمعنوي لدار الجمل لاخراج تراث فقيدنا الراحل بطبعة أنيقة تليق براهب الشعر أسد آشور.
وديع : رغم ما ذكره سركون من رأي بعملك الشعري في كلمة غلاف مجموعتك " انا ثانية" هل تذكر ما اسرّبه لك من اراء وملاحظات شخصية حول مشروعك الشعري، وارجو ان تتركْ تعففك قليلا في ذكرها ، لنجعلها مسك ختام احتفائنا بالراحل الكبير؟
باسم : لاأحبذ الخوض في هذا الأمر لسببين ،الأول ان الرجل قد رحل عن دنيانا والذي سأقوله لا دليل لي عليه ويحق لكل شخص ان يكذبني ، فلماذا أضع نفسي في هكذا موقف حرج. وثانياً،طالما عتبتُ على من يتبجح بأن" الشاعر الفلاني قال عني كذا"،او "ان ديواني لم يفارق سرير الشاعر الكبير"،او"ان كل من يدخل الى مكتب الشاعر العظيم يجده يقرأ في ديواني ويقول لهم نحن نتعلم الشعر من هؤلاء"،او من ذهب بعيداً حد تخيل انه حامل لواء الحداثة العراقية على اكتافه ...والخ. مما يجعلني أشعر بالاحراج أمام ملكوت الشعر.
ماقاله سركون عني،هو كلام لادليل عملي لي على اثباته باستثناء كلمة الغلاف التي زينت ديواني الثالث"أنا ثانية ً"،ولاأريد التعكز عليه،لست بحاجة الى قارئ يريد ان يعرف رأي سركون بولص في تجربة باسم فرات الشعرية لكي يحكم على ضوئها،أنا أبحث عن قارئ محترف يحمل وعياً شعرياً عالياً،ولاتؤثر فيه الاجتماعيات،وآراء الاخرين،فيصوغ رأيه بناءاً على قراءته الايجابية لتجربتي الشعرية،قارئ هو مبدعٌ يمنحُ النصَ ألقاً حين يقرأه،فالشعر غاية الغايات،ومريدوه نخبة النخبة.
لاأجد حرجاً في ذكر رأيه الايجابي بتجربتَيْ زعيم النصار وعبد العظيم فنجان،ولكني اتحفظ على رأيه بتجربتي الشعرية.